
لمحمد صالح سلمان، قيادي في تيار الوفاء الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو بيان أستاذ البصيرة التاسع خلال ١٠ أشهر الماضية، حيث رأى فضيلته أهمية وضرورة أن يكون له طرح تأصيلي وجذري يتعلّق بالمسارات السياسية والفكرية العامة التي تعيشها الساحة في البحرين. حيث التزم الأستاذ منذ سجنه في مارس ٢٠١١ وحتى يومنا هذا بأن لايصدر منه موقف من داخل السجن إلا بما يدخل في حكم الضرورة والتكليف، تاركا القرار التفصيلي لمن له سلطة القرار في خارج السجن.
حساسية المرحلة وبيانات البوصلة
توالي البيانات من داخل السجن يعكس حساسية الظروف التي تمر بها البحرين والمنطقة بشكل عام، ووصول مسيرة النضال في البحرين إلى مرحلة مفصلية ضمن معادلة امتحان البقاء والتكيّف والتأثير أو النكوص والانحسار. كما تعكس مواقفه خشيته من افتقاد الساحة للبوصلة المفاهيمية والأطر اللازمة لحماية المواقف والاتجاهات السياسية من الوقوع في أحد أطراف التفريط والإفراط أو العجلة وتضييع الفرص.
في كل هذه المواقف حرص الناطق الرسمي باسم الوفاء أن يتحدث في الكليات العامة التي يفترض أنها محل اتفاق بين ذوي الرأي والقواعد الشعبية، والمتمعّن في رسالاته يستشفّ التوجيه فيها لمختلف الطيف السياسي والشعبي، الأشد حتى الأبعد قربا، وتناولها للإشكالات الموجودة لدى مختلف شرائح الساحة نخبة وجماهيرا.
الاتجاهات الأبرز في الهم السياسي
من خلال استعراض جملة من أهم بياناته الأخيرة، نرى أنه تحدث في بيانه بتاريخ ٢٦ أغسطس الماضي عن “السجن كمحنة وابتلاء وخزان بشري لصناعة شريحة نوعية سيعم فيضها البحرين عاجلا أم آجلا”. وفي بيانه الثاني بتاريخ ٦ سبتمبر، تناول فضيلته موضوع السجناء كذلك واصفا إياهم “بالرقم الصعب الذي يشكل أزمة لدى السلطة، وأن السجناء من ذوي التجربة والتأثير في مستقبل البحرين”، ودعا لأن لايكون طول المدة في السجن سببا للشفقة واتخاذ موقف سياسي من قبل المتصدين بحيث يشكل مكسبا للسلطة.
وبتاريخ ١٧ سبتمبر أصدر بيان “الشجرة التي لاتموت”، وحمل هذا البيان سمة تناوله للشرائح الفعّالة في القضية السياسية والنضالية لشعب البحرين، فتحدث عن “دماء الشهداء ومداد العلماء وشرف عائلات الشهداء والمهجّرين وقوى المعارضة المختلفة”، ودعا هذه الأصناف المختلفة التي تشكل جذور شجرة الثورة إلى “مواصلة السير بقدرة وثبات وأن يقولوا رأيهم بمسؤولية في أحداث الساحة”، وذلك لكي يكون رأيهم محل اعتبار لدى من بيده القرار في مصير الشعب والقضية والثورة. كما أوصى في بيانه “بالتكامل ورص الصفوف والتوازن في الموقف السياسي بين واقع الحاضر ومتطلبات المستقبل.”
أما موضوع الشأن الداخلي للمعارضة وتحديات الوحدة والمظلّة الواحدة فكان لها نصيب في بيان للأستاذ بتاريخ ٢٦ سبتمبر، حيث أكّد على “مبدأ التكامل والتنسيق بين مختلف القوى تحت مظلّة واحدة، كحالة مثالية ينبغي السعي لتحقيقها، ومنع الاستفراد والأنانية في القرار مما يشكل أرضية للفرقة”.
ولأهمية الموضوع باعتبار شموله لشريحة مهمة تمثل أحد جذور الثورة والشجرة التي لاتموت، أفرد فضيلة الأستاذ بيانين صدرا بتاريخ ٣ و ٥ أكتوبر لموضوع العقوبات البديلة، فقسّم السجناء لثلاث فئات، لكل منها موقفها الصحيح والمبرر من العقوبات البديلة، بالنظر إلى المصلحة العامة للناس وللثورة، ولشريحة السجناء التي عبر عنها الأستاذ في بيان سابق “بأنها الفيض الذي سيغمر البحرين”. وكان للبيان المذكور أثر معتبر في حفظ وحدة المعارضة في تناولها لهذا الموضوع الشائك الذي فاجأت السلطة به عموم الساحة.
الاتجاه الكلي للمسيرة النضالية
بعد عدة بيانات صادرة منه من داخل السجن في مواضيع جزئية مختلفة تصاعدت التساؤلات عن الموضوع الكلي الذي يرى فضيلته أهمية الإعداد له بغض النظر عن المواقف والمسارات والخيارات المرحلية التي على فرض صحتّها لاينبغي أن تشغل الشعب عنه، والتي يفترض على الشعب الاستعداد له بتهيئة مقدماته، فصدر له بيان بتاريخ ٩ أكتوبر، تحدث فيه عن “الطوفان العظيم القادم، والذي سيفاجأ السلطة، ويستعصي عليها منعه”، وقال بأن “السبيل لمنع هذا الطوفان هو الإصلاح الجذري ورفض الشكليات والفتات”.
لاينفك أستاذ البصيرة عن الهم الديني والفكري في خضم المعركة السياسية مع السلطة، فأراد تسليط الضوء على واحدة من أهم القضايا الفكرية القديمة المتجددة على الساحة المحلية، وهي قضية جماعة السفارة والتجديد الديني، والتي أخذت على عاتقها ضرب الأسس الفكرية والمعنوية للتشيّع، فلم يرى الأستاذ انفكاكا بين الأعداء السياسيين والأعداء الفكريين، كأصحاب مشروع شيطاني واحد، يستهدف القضاء على المشروع الديني والسياسي لشعب البحرين، الذي هو قاعدة للتغيير والبناء وتحقيق كافة الأهداف، وقد ورد في بيانه الصادر بتاريخ ٣ فبراير ” أنهم ليسو منفصلين عن أجندة الأعداء…”، ودعا “للاستقامة الشرعية والاعتدال الأخلاقي”، في التعاطي مع الظواهر الفكرية في الساحة.
ولما رأى فضيلته عدم نجاح قوى المعارضة في الخروج بمشروع سياسي جامع، وتأكيدا منه على الوحدة في أي شكل من أشكالها النافعة والمشروعة، أصدر الأستاذ المجاهد بيانا بتاريخ ٢٢ فبراير، أكد فيه على عدم التفريط بالوحدة، وضرورة السعي لها بأي شكل من أشكالها، وهو ماكان يؤكد عليه فضيلته وماكان يؤكد عليه تيار الوفاء الإسلامي مرارا وتكرارا طوال سنوات العمل. وأشار الأستاذ في البيان إلى أخلاق الاختلاف السياسي.
بيان “الحكمة والشجاعة” في تركيبة المشهد
يعتبر البيان الأخير لأستاذ البصيرة القطعة التكميلية للمشهد كما يراه أستاذ البصيرة عبد الوهاب حسين “فرج الله عنه”، حيث أكد فيه على أمور يجب أن تتمحور حولها حركة المجتمع وجميع خياراته باعتبار هذه الأمور هي الأصل المقدم على كل الخيارات والحاكم عليها، فتطرق في بيانه الصادر اليوم الخميس الموافق لتاريخ ١٦ يونيو إلى:
أولا: ضرورة تمحيص الأمور بحكمة ورشد بالنسبة للمتصدين للشأن العام.
ثانيا: الانطلاق من روح المسؤولية الشرعية أمام الله والناس والتعبّد بالحق والخروج من أسر الوهن والسراب.
ثالثا: ضرورة تعبيد طريق الثورة من خلال تخطي الصعاب بالتوكل والعزم والبصيرة والتكاتف نحو تحقيق رضا الله سبحانه.
رابعا: الدعوة للسعي مع الرؤية والأخذ بالأسباب والتضحية، من دون ركون ولا ذلّة أو قبول بالفتات الذليل
خامسا: ضرورة المبادرة قبال محاولات الفرض والقهر، وعدم التفريط بالفرص مع حفظ الاتجاه العام نحو الأهداف الكبرى والكلية.
لمن يتوجه البيان أساسا؟!
مضامين البيان الأخير لأستاذ البصيرة متوجّهة أساسا لمن بيدهم القرار في المعارضة السياسية وللناس التي لها حق الرقابة والرأي.