
هيئة الوفاء الإعلامية: ضمن فعاليات الموسم الثقافي “النهضة الحسينية.. السياسة والجهاد”، تناول أستاذ الحوزة العلمية سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي ورقة بحثية بعنوان “موقع القيادة الحسينية في السنن الإليهة والكونية” تطرق فيها لعدة محاور ونقاط كان من أهمها:
(1) هناك سنن كونية وإلهية تحكم المجتمع البشري، حيث أن التطورات والأحداث تجري وفق اللاعبثية، وثورة الإمام الحسين “عليه السلام” وموقعه القيادي هو عنصر مؤثر ضمن هذه السنن. وهناك سنن عامّة وخاصّة تجري في البشرية، وهناك سنن ثابتة وسنن متغيرة، ومن ضمن السنن العامة والثابتة هي سنة قيام الإمام المهدي عليه السلام بحركته العالمية وقيام الدولة العالمية. من السنن الثابتة هي أن تنبري أمة لحمل المسؤولية لتهيئة الأسباب لقيام المهدي عليه السلام وتقوم بنصرته، وهذه السنّة عينها سنّة الاستبدال، حيث يستبدل الله سبحانه الأمم حتى تنبري أمة مهيئة للقيام والنصرة.
(2)والأمة المهيئة هي أمة طموحة ولديها المؤهلات، كما هو نبي الله موسى عليه السلام، الذي عُرف بطموحه، حيث سأل الله سبحانه أن يراه، بمعني رفع الحجب المادية عنه المانعة عن معرفة الله سبحانه.
ويكون من أهداف الأمّة المهيئة هو إقامة العدل، الذي يقول عنه الإمام الخميني “قدس سره” أنه هدف الأنبياء والحسنة التي يسعى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتحقيقها في الدنيا. تعبير السنن الكونية أتى في الآية الشريفة بمعنى آيات الله سبحانه، والتي يكون الإيمان بها سبب في نيل رحمة الله سبحانه وحسنة الدنيا والآخرة “وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ” الأعراف-١٥٦.
(3)ومن مواصفات الأمة المهيئة هو الإيمان والنصرة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الأعراف-١٥٧
يمكن التعرف على العديد من السنن الكونية من حديث وأدعية المعصومين عليهم الصلاة والسلام، فالأنبياء والأئمة هم المتحدثون الرسميون بالسنن الإلهية. يجري على الأمم سنة الاستبدال عندما تتخلى عن مسؤولياتها وتترك قائدها وحيدا في الساحة، حيث يقول الله سبحانه “إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” التوبة-٣٩.
(4)والاستبدال يجري على الأمة التي تقوم مع قائدها ومن ثم تخذله. كما جرى على الأمة التي خذلت أمير المؤمنين علي عليه السلام، حيث يقول عليه السلام “لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم. معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا. وشحنتم صدري غيظا. وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا ذا قد ذرفت على الستين.”
(5)وفي وصف له لأصحابه الخلّص الذين مضوا وما بدّلوا، قال عليه السلام: “قد والله لقوا الله فوفاهم أجورهم، وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم. أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟
وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة. (ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة فأطال البكاء، ثم قال عليه السلام): أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة وأماتوا البدعة. دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه (ثم نادى بأعلى صوته): الجهاد الجهاد عباد الله. ألا وإني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج.”
(6)الثورة الحسينية وقيام الإمام الحسين عليه السلام يأتي من أجل وضع اللبنة وتأسيس البناء للأمة الحسينية المهيئة للانتصار وقيام دولة المهدي العالمية، ومن أجل تحقيق السنن الإلهية ومقدماتها اللازمة لتحقيق إرادة الله في الأرض. ظاهرة نشيد “سلام يامهدي” والتفاعل الكبير من أطفال اليوم هو مصداق إلهي وبارز لنشأة الجيل ضمن سنة الاستبدال، وهذا الجيل من ثمرة النهضة الحسينية.
لا أعلم كيف جرت الكلمات على لسان منشد هذا النشيد، لكن الكلمات هي مصداق لكيف يجري روح القدس على لسان عبده. فعندما نقول “سلام يامهدي” فنحن نقول “سلام لخليفة الحسين”، ونحن نلبي الحسين عليه السلام، ونعلن التوبة والاستعداد لنبيع أنفسنا وأموالنا في سبيل الله وسبيل الإمام المهدي عليه السلام ونصرته.
(7)يجب على الأمة أن تتوب من الظلم الاجتماعي وغيره، ولانقصد بالأمة الشيعة فقط بل الأمة جميعا لكي تكون مؤهلة للنصر، قال تعالى: “وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً” النساء-٦٤
نعم سوف يكون جزء من الأمة هم الهداة للأمة جميعها، وهنا يأتي دور التقريب بين المذاهب لتحقيق هذا الهدف. نسأل الله العلي القدير أن يقبل توبتنا وأن يوفقنا لنكون وأهلنا في خط الحسين والمهدي عليهما الصلاة والسلام، وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.